[ الجزء التاسع ] في ضيافة الجن 😰
شعر خالد انه يعرفهم منذ زمن طويل,
شيء واحد كان يشغل بال خالد....
ظل يفكر في الأمر و يعجز عن الإفصاح عنه...
ما كان يشغل بال خالد هو أن "زيزفونة" ليست هنا...
و مع شروق الشمس سيختفون جميعاً و يظل هو وحيداً دون حتى أن يودع طفولتها المشرقة...
تفرع بهم الحديث و تشعب حتى نسي خالد أنه في عالم الجن و أنه بينهم...
أخذوا يتبادلون النكات و التعليقات و يتناقشون و خالد في صدر المجلس يشعر باهتمامهم و تقديرهم و حبهم له...
يرى خالد في وجوه الفرسان الثلاثة كل علامات الرجولة و الشهامة و الفروسية...
تناهى إلى سمع خالد صوت المؤذن و هو يرفع أذان صلاة الفجر...
صمتوا جميعاً و هم يرددون خلف المؤذن...
حين انتهى الأذان, وقف الجن مودعين خالد فقد حان وقت الرحيل...
قال "شرعيل": أسعدنا يا خالد أن نلقاك بعد أن سمعنا عنك و أتمنى أن أجلس معك أكثر, لكن حان وقت الصلاة .. وبعد الصلاة علي العودة إلى قبيلتي مع رجالي قبل شروق الشمس , فنحن من جن بلاد المغرب و سنستغرق بعض الوقت للوصول إلى ديارنا...
قال خالد سعيداً: أسعدني وجودك يا "شرعيل".. و شرفني أن ألقاك و أتعرف بك...
تقدم "ضعفن" من خالد و هو يقول: و أنا أيضاً سأغادر قبل شروق الشمس فأنا يا خالد من جن العراق و المسافة أقرب إلى ديارنا لكن سأنهي أموراً أوصاني بها "طارخ" في قبيلة الجن الكافر, لكن يعلم الله يا خالد إنني أحببتك...
أجاب خالد: أحبك الله الذي أحببتني فيه
تدخل في الحديث "شرعيل" قائلاً: لقد أتينا و لك في قلوبنا تقديراً و أجلال و التقيناك فازددنا لك حباً, حتى جنودي أحبوك...
خالد: شكراً لك يا "شرعيل"...
تابع خالد مبتسماً و هو يوجه كلامه إلى طارخ: أليس معك جنداً يا "ضعفن"؟
رد "ضعفن" قائلاً: بلا يا خالد. لقد جئتُ من بلادي و معي 300 ألف فارس و مع "شرحيل" 100 ألف إضافة إلى 700 ألف فارس من فرسان هذه القبيلة, لذلك حين سمعت القبيلة الكافرة بعددنا استسلمت و رضخت رغم أن من أجتمع لهم من حلفائهم يفوق عددنا لكن كان الله معنا...
قال "شرعيل" و هو يربت على كتف خالد: سنصلي الفجر و نغادر...
تكلم طارخ قائلاً: باسمي و اسم قبيلتنا أشكركما يا"شرعيل" و" ضعفن" على حضوركما و باسم كل قبائل الجن المسلمة أشكرك يا خالد على صنيعك و نثمن لك وجودك , الفضل بعد الله لك...
كانت فتائل للحرب لا تخمد لكن الله يسرك لتكون العزة لمن ارتضى و تثبت هزيمتهم في أصقاع المعمورة...
أجاب خالد: إن الشرف لي , فمن يتسنى له هذا الشرف ليكون في ضيافة الجن... و أي جن؟ ..جنٌ ملكوا كل الشهامة و الكرم...
"طارخ":هيا يا خالد ..أدخل و توضأ...
قد لا نلتقي بعد الصلاة.. فنم قرير العين و تستطيع الرحيل متى شئت...
دخل خالد و توضأ...
حين خرج وجد نفسه أمام مفاجأة جديدة... كان كل شيء مختلفاً...
مشهدٌ غريب بحق جعل خالد يتعثر و هو يحاول العودة إلى الحمام...
وجد المجلس خاوياً خالياً... لا أحد فيه...
لم يجد إلا شخصاً واحداً يقف في إحدى أركان الغرفة و ملصقاً وجهه بالجدار... لم يكن هذا الشخص سوى فتاة في ريعان الصبا, شعرها أسود طويل يتجاوز ظهرها ليصل إلى عجزها...
هم خالد بالعودة إلى الحمام فلا بد أنه خرج من باب آخر و إلى مكانٍ آخر...
فالغرفة تبدوا أصغر كثيراً من المجلس الذي كان فيه...
إضافةً إلى أن لا أحد من الجن هنا, لا "طارخ و لا شرعيل و لا ضعفن"
لا أحد سوى هذه الفتاة الجديدة...
تعثر خالد و هو يحاول العودة إلى الحمام و كاد أن يسقط على وجهه...
خاطبته الفتاة قائلة: على رسلك يا خالد.. ما بك؟
توقف خالد و التفت إليها مطرقاً يرأسه إلى الأرض و قال: آسف.. فلا بد أنني خرجت إلى مكانٍ آخر...
أجابته الفتاة: لا تقلق يا خالد, هو نفس المكان...
تلعثم خالد قبل أن يسأل قائلاً: و هل تعرفين أسمي؟
نعم أعرف أسمك, و أنت ألا تعرف أسمي.؟
أجاب خالد : لا...أبداً...
ضحكت الفتاة قبل أن تقول: هل نسيتني بهذه السرعة؟
تابعت كلامها قائلة: ما فتأت تقبلني يا خالد منذ رأيتني أول مرة...
نظر خالد إلى الفتاة بطرف عينه و هو يقول: هل تعنيني أنك "زيزفونة"؟
أجابت الفتاة و هي تبتسم: نعم يا خالد,أنا "زيزفونة"...
نظر إليها خالد فأسره ما رآه ..
فتاةٌ جميلة... بل رائعة الحسن, لم ير خالد مثلها قط...
ترتدي ثوباً أسود طويل بأكمامٍ قصيرة...
عيناها واسعتان...
يتماوج فيهما لون أخضر ممزوج بسوادٍ آسر...
بيضاء كالقمر يوم تمامه...
يظهرها ثوبها الأسود و كأنها هالة نور تنبعث من بين السحب...
شعرها الطويل يتلألأ و كأنه أمواج تعكس أنوار النجوم الخافتة...
وجهها صافٍ كوجه الوليد...
و حمرة تنبعث من وجنتيها و كأنهما زهرتين ورديتين...
نقشُ حناء على كفيها يصل إلى نصف الساعدين...
نقشٌ و كأنه أغصاناً تشابكت لترسم للجمال صورة...
نظر خالد إلى قدميها ليراهما بلونِ شمس الصباح و بنقش حناءٍ يأسر اللب و يوهن الفؤاد...
عاد خالد ينظر إلى وجهها من جديد ليُقابل بنظرات أقل ما يقال عنها أنها تجعل اللبيب المفوه يعجز عن كل قول سوى التسبيح...
و هذا ما فعله خالد إذ قال: سبحان الخلاق..
أردف قائلاً: هل أنتي "زيزفونة" الطفلة؟
أجابته ضاحكة: نعم يا خالد.. أنا الطفلة"زيزفونة" التي رفضت الزواج بها...
قال خالد بسرعة: أوافق أنا موافق...سأتقدم طالباً يدك من جديد...
زيزفونة: و هل ستعود و تخبره أنك ستتزوج من طفلة؟
صمت خالد برهة قبل أن يقول: ألهذا كان يقول والدك أنك لستِ بطفلة؟
أجابته: نعم و لهذا كان ينظر إليك أهل القبيلة بحنق...
خالد: كل تلك النظرات الغاضبة كانت حاقدة عليّ
"زيزفونة": نعم .. الم تكن تُقَبِل ابنة مليكهم الطفلة و التي لم تكن في حقيقة الأمر سوى فتاة بلغت سن الرشد؟
خالد بتعجب:يا إلهي ألهذا غضب "طارخ"؟
"زيزفونة": هذا صحيح يا خالد...
سأل خالد بحزن: وهل يغار عليك "طارخ"
أجابته "زيزفونة"قائلة: و لَم لا... الستُ ابنة عمه؟
صمت خالد قبل أن يقول و كأنه يبغي إجابة معينة: لا بد أن من الجن من خطبك...
قالت زيزفونة" و بلا مبالاة: نعم هم كُثر و قد كُنت أنت المقدم عليهم و الأحق بالأمر منهم...
خالد بتعجب: أنا؟ مقدم على باقي الجن؟
قالت زيزفونة بهدوء: كان لك الأفضلية حتى على "طارخ"...
سألها خالد بانكسار: هل تعنين أنك ستتزوجين "طارخ"؟
ردت "زيزفونة" قائلة:لا.. "طارخ" يحب "راما" و سيتزوجها دمت أنا من تسعى له في الموضوع...
خالد: من "راما" هذه؟ هل هي أختك؟
أجابت "زيزفونة" قائلة: "راما" ؟ لا يُذكر الجمال في عالم الجن إلا و ذكرت "راما"...
سألها خالد متعجباً: و هل هناك من هي أجمل منكِ؟
قالت "زيزفونة" بثقة: بالتأكيد لا... فبلا فخر يا خالد.. أنا أجمل فتاة في قبائل الجن, وهذا ليس رأيي بل هو رأي فرسان قبائل الجن و تصنيف مجلس الجن...
اكتسى وجه خالد حزناً و هو يسأل: إذاً ستتزوجين واحداً من الذين تقدموا لخطبتك...
قالت "زيزفونة" باسمة: كلهم يا خالد أقل من أن يُذكروا إلا "ضعفن"...
سأل خالد: و هل طلبك "ضعفن" للزواج؟
"زيزفونة": نعم .. طلبني أكثر من مرة لكنني لم أوافق.. و هذا ما جعلني أغادر حين حضر, فتخيل أنك قبَّلتني في حضوره ماذا تتوقع أن يحدث لقلبه؟
سألها خالد: و هل يحبك "ضعفن " لهذه الدرجة؟
أومأت "زيزفونة برأسها إيجاباً...
تابع خالد كلامه فقال: لكن لماذا لم توافقي ؟فيه عيب أليس كذلك؟
قالت "زيزفونة": على العكس يا خالد.. لا عيب في "ضعفن" أبداً بل فيه كل الصفات التي تتمناها أي"جنية" في فارس أحلامها فهو واحدٌ من أفضل الشباب و أوسمهم و من أشجع الفرسان بعد "طارخ"...
خالد: إذاً لماذا لم توافقي عليه؟
أجابت زيزفونة: لأنني أعتبره مثل أخي فقد تربى "ضعفن" في قبيلتنا معي و مع "طارخ" منذ الطفولة حتى أشتد عوده, وكنت أراه أخاً لي لا أكثر...
سألها خالد بتوجس: و هل في قلبك أحد من الجن يا"زيزفونة"...
أجابته: و هي تنظر إليه باسمة:حتى الآن لا... قلبي خالي...
قال خالد و بسرعة: إذاً هل تقبلين الزواج بي؟
ثم تابع موضحاً كلامه: لو طلبتك من الشيخ" خوصان" هل ستوافقين؟
تنهدت "زيزفونة" قبل أن تقول: لن يستقيم الأمر يا خالد...
سألها خالد بحزن: لماذا؟ هل لأنني لست أبن ملك؟
"زيزفونة": ليس للمُلك عندي أهمية
خالد و قد برقت في عينيه لمحة أمل: إذا سيستقيم الأمر يا"زيزفونة"...
ضحكت زيزفونة قبل أن تقول بألم: و من سيسكن في عالم الآخر؟
من سيتخلى عن حياته ليلتحق بالآخر؟
و هل تستطيع أن تعيش في عالمنا؟
أجاب خالد: و هل أعيش معكم في الليل ثم تختفون و تتركونني نهاراً
تابع خالد بتردد: أرى أن الزوجة هي من تلتحق بزوجها...
قالت زيزفونة وبابتسامة مكسورة: لن تستطيع أن توفر لي أبسط احتياجاتي يا خالد, المأكل و المشرب...خالد: ماذا تعنين؟ لم أفهم
"زيزفونة": كيف أأكل و أشرب؟ هل تستطيع أن توفر لي طعامي؟ أم تريدني أن أرجع إلى قبيلتي كلما اشتهيت الطعام؟ و هل تظن أن أباً سيقبل بذلك؟
خالد: بل سأوفر لك طعامك بالتأكيد...
"زيزفونة": إذاً لضربوا عليك حكماً قاطعاً بجنونٍ أو بِرِدة...
خالد: لماذا؟
"زيزفونة": هل تعرف يا خالد ما هو طعامنا نحن الجن؟
أجاب خالد بلهجة الواثق:نعم, العظام؟
قالت"زيزفونة": العظام و أشياء أخرى فهل ستبحث عنها عند القصابين و على أطراف المقابر؟
لو فعلتها يا خالد لحكموا عليك انك ساحر
أكملت زيزفونة كلامها بجدية قائلة: و الأهم من ذلك, هل تستطيع أن توفر لي ما أحتاج إليه من "الزئبق الأحمر"؟
سألها خالد بتعجب: أنا أعرف الزئبق, لكن "زئبق أحمر"
لم أسمع به قبلاً, فما هو...
أجابته "زيزفونة": هو غير الزئبق الذي تعرفه, هذه المادة مهمة في عالم الجن, و مهمة جداً لملوك الجن و لمردة الشياطين على حدٍ سواء... لا يملكها إلا قليل في عالم الجن, و لا يعرف أماكن تواجدها أنسٌ و لا جان, إلا أن يجدها من حالفه الحظ, وهذه المادة محور حروبٍ طاحنة بين الجن منذ القدم يستخدمون معها كل شيء و يستعين البعض من أجلها بالسحرة و بإبليس نفسه...
همت "زيزفونة" بتكملة حديثها عن الزئبق الأحمر
غير أنها صمتت فجأة و كأن أمراً وصلها بعدم الإفصاح أكثر...
تناهى إلى سمه خالد صوت المؤذن و هو يقيم الصلاة...
هم خالد بالخروج غير أن "زيزفونة" سدت الطريق في وجهه
يتبع
تطبيق : قصص قصيره |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق