الجمعة، 22 يناير 2016

➰ إذبحوا ذبّاح الكلب ➰





...🔛...يحكى أنه كان في الأيام الغابرة إحدى القبائل التي تجول في بادية الجزيرة العربية بحثاً عن المراعي والكلأ ، وما لبثت هذه القبيلة حتى وجدت بقعةً معشبةً أرضها و ماؤها وافر ، فأستقرت فيها...

وفي أحد الصباحيات الجميلة فزع أفراد تلك القبيلة على صياح الراعي بقوله : قُتِل الكلب ، قُتِل الكلب...

والكلب المقصود كان كلب الحراسة المسئول عن حراسة حلال القبيلة من أغنام وأبل في المراعي البعيدة ، يضاف إليها مسئوليته عن حراسة المضارب عند ورود الحلال ، وكان كلباً وفياً ، قوياً تهابه الدواب والذئاب وتحسب له ألف حساب...

الحاصل أن أفراد القبيلة أجتمعوا لدى شيخهم المريض والذي كان أحد حكماء العرب المعدودين وشجاعاً من شجعانهم حتى هده المرض فأقعده الفراش فقالوا له : ما رأيك يا شيخ في مقتل الكلب...؟

فأجابهم بعبارة واحدة : إذبحوا ذبّاح الكلب...

تداول أفراد القبيلة الرأي مع أبناء الشيخ ، فقال الأبناء : إن أبانا قد هدّه المرض وأصبح يهذي ، فكيف نذبح رجلاً بدم كلب...!
والكلب بدله ألف كلب ، ولكن إن قتلنا الرجل فقد ينشأ عن ذلك حرب مع القبيلة الأخرى لا تبقي ولا تذر ـ وهم بالمناسبة عرفوا أن قاتل الكلب ينتمي لإحدى القبائل المنافسة لهم على المرعى والماء ـ المهم أنهم أتفقوا على السكوت وتجاوز الموضوع ، وعفا الله عمّا سلف...

وما إن مرت أيام معدودة إلا وفوجئ أفراد القبيلة بالراعي يهرول إليهم صائحاً بقوله : سُرِق الغنم..سُرِق الغنم...

فاجتمعوا كالعادة عند كبيرهم وشيخهم المريض يتداولون الرأي ، فقال لهم شيخهم الحكيم عبارته الأثيرة : إذبحوا ذبّاح الكلب...!

فاستغربوا وتعجبوا من كلامه ، لأن الموضوع لا يتعلق بمقتل الكلب ولكن بسرقة بعض الأغنام ، ولكنه لم يتجاوز عبارته تلك ولو بكلمة واحده...

فتجاوزا عنه لاعتقادهم بأنه مريض يهذي وجلسوا يتداولون الرأي مع أبنائه الحمقى فقالوا : إن الموضوع لا يتجاوز سرقة عدد من الأغنام ، ولو قاتلنا من سرقوا الأغنام فقد يتسبب ذلك في فتنة وقتال له أول وليس له آخر ، فالرأي أن نتجاوز عن ذلك ويعوضنا الله ، وهذا ما عملوه...

وما إن مرت أيام قليلة إلا وسمع القوم هديراً كهدير الرعد ، في ظلام الليل الحالك ، وإذا بفرسان في يدهم السيوف يداهمون مضارب القبيلة ويمعنون فيها قتلاً وتخريباً ، ولم تنته الغزوة إلا وجميع رجال القبيلة بين قتيل وجريح وفار ، وكانت النتيجة سبي النساء ونهب الحلال وإحتلال الأرض...

وكان أحد أبناء شيخ القبيلة قد فر بوالده لما أحتدم القتال ومالت كفته لصالح الغزاة ، وأستمر بالفرار حتى تيقن من الأمان ثم توقف لأخذ قسط من الراحة ، وهنا تذكر عبارة والده التي مازال يكررها بذبح ذبّاح الكلب ، فسأل والده عن ذلك...

فأجابه الشيخ الحكيم بقوله : لو قتلتم ذبّاح الكلب من البداية لصنعتم لأنفسكم مهابة وصيتاً وعزة ، ولما تجرأت عليكم القبائل بعد ذلك بالسرقة ثم بالغزو والسبي والنهب ، ولكنكم هنتم في أنفسك ، وتهاونتم في حقوقكم ، وضعفتم عن المطالبة بها حتى أنتهى بكم الحال إلى ما أنتم فيه من مذلةٍ ومهانةٍ وإنكسار...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق